مررنا في مقالات سابقة على دورين أساسيّين في القيادة النيوكارزمية في المرحلة الأولى وهي مرحلة البحث عن الفرص. واليوم نتحرّك مع القائد النّيوكارزمي إلى منطقة الشّجاعة والجرأة والمخاطرة الشّخصية في اتّخاذ قرار إستراتيجي أو قرار يتعلّق بحياة التّنظيم ككلّ. في الغالب لم يصدر هذا القرار من فراغ فالقائد النّيوكارزمي لعب دورا قويّا في تقييم البيئة وتحسّس إحتياجات الآخرين ليخرج بهذا القرار. وهو الآن على وشك إعلان القرار الذي قد يتعارض مع ما يراه الكثير ممن حوله في أسفل التّنظيم بل وبعض من حوله في القيادات العليا بما في ذلك مجلس الأمناء أو كل من له مصلحة في إستمرار الوضع الحالي.
هذا التّحدّي هو معارضة للرأي العام والذي يجهل الكثير من التّفاصيل حول ما يعرف القائد من التّقييم البيئي الشّامل الذي أخذ وقتا وجهدا واستثمارا عاليا في مستشارين ومحلّلين ماليين وفي دراسة السّوق المحلّي والعالمي. هذا القرار ليس ناتجا عن تخرّص وإنما عن تحليل كامل للخيارات المتاحة. ويعتبر قرار جرئ جدّا ففيه مخاطرة ليس لأنّه غير محسوب بل لأنّه قد يشكّل منطقة ضبابيّة مجهولة للكثير ممن يعتمدون على التّنظيم في دخلهم المالي وغير ذلك من المكاسب الإجتماعية والقيادية. وبالنّسبة لهم التغيير أمر مبغوض ويعرّضهم للخطر حيث يحركهم إلى تطوير أنفسهم للمواكبة أو للإستغناء والمغادرة أو لبذل جهد أكبر للمحافظة على المكاسب التي لديهم. وهذا أمر طبيعي، وهو السّبب الاساسي للتحدّي.
وتكمن مهارة القائد النّيوكارزمي في التّحالفات القياديّة التي كوّنها أثناء الدّورين السّابقين والتي تتطلّب بذل جهد شخصي مضاعف وكسب ثقة كبيرة يتمكّن بها من دحض المعارضات بل وكسب المعارضين في صفّه. فإلى أيّ حد يمكن أن يكون القائد مستعدّا لمثل هذا الدّور؟
تثبت الدّراسات القياديّة أن هذا الدّور لا يمكن القيام به كاملا إلّا في حالة أنّ القائد مؤمن إيمانا كاملا برسالة إنسانيّة وغاية نبيلة يحرّك بها الجموع ويربطهم بالنّهاية. ولذا الرؤية القياديّة الشّخصية تلعب دورا أساسيا هنا.
لا شيء يمكن أن يعدّ القائد لتلك المشاعر التي تصحب هذا التّحدّي في تجاربه السّابقة الشّخصية وخاصّة إذا كان يقف لأول مرّة في هذا الموقف. أولئك الذين وقفوا لم يكونوا من ذوي النّفوذ أو التّمكّن وإنّما إستطاعوا أن يكسبوا قلوب النّاس بأخلاقهم وقدرتهم على الإيثار على أنفسهم وقرأ النّاس صدقهم في كل أفعالهم السّابقة وفي خططهم المستقبلية.
أرجو أن أكون أوصلت للقائد القارئ شيء من تلك المشاعر، وفي النّهاية سيختلف كل قائد عن آخر في سياقه ومن هنا تأتي أهميّة التّوجيه القيادي ( الكوتشنج) في مهارات الموجّه وعلمه وقدرته على تنبيه القائد لكل تلك النّقاط العمياء التي قد تفوته. القائد النّيوكارزمي لا ينتظر للحظة القرار ليعدّ نفسه وإنّما يعمل على ذلك في أوقات الاسترخاء وقبل أن يبدأ في الدّور الأول. ولكن إذا كنت في عنق الزّجاجة وتحتاج لموجّه فلا تتردّد فقد يبعث فيك الحماس ويعدّك نفسيا لمواجهة الحشود في قراراتك التمّكينية الصّائبة.
د. غادة عنقاوي