استخدام كلمة توجيه في مهنة Coaching

التوجيه في اللغة الإنجليزية Coaching in the English Language

بينما يطلق الإتحاد الدولي للتوجيه International Coaching Federation (ICF)  كلمة (كوتشنج) على المهنة في العربية، يرى الكثير من المتحدثين باللغة العربية أن هذا الإطلاق يسلب اللغة العربية قوتها حيث تضمنت على ما يزيد عن 2 مليون مفردة، وفاقت غيرها من اللغات في قوة التعبير والألفاظ، وفي مرونتها بتبني مصطلحات مشتقة من جذور الكلمات، وبما أن اللغة الانجليزية اتسقت لفظة Coach من (الناقل للركاب من مكان لمكان) وهو أصلا عربة تجرها الخيول بحسب أحد تعاريف قاموسي Oxford[1] / وWebster[2] ، أو كما هو مستخدم مؤخّرا في الرياضة بأنه شخص يعطي إرشادات وتوجيهات لشخص آخر لإتقان مهارة معيّنة. ثم استخدم حديثا بحسب المرجعين السابقين أيضا لشخص يقوم بنصح[3] وارشاد[4] شخص آخر فيما يتعلق بحياته أو مهنته أو قيادته التنظيمية. واختلف التعريف بين جهة وأخرى بحسب منهجية التطبيق له والجدارات الخاصة بالممارس وقيود عددية لها علاقة بالتأهيل والاعتماد، ولكن روح الموضوع هو ما جاء في تعريفات القواميس من أنه النصح والإرشاد.

وهذا التعريف في القواميس هو أصل علم التوجيه الذي نحن بصدده وليس معناه الكامل كما تعرّفه الجهات المتخصصة فيه حيث لا يوجد في القواميس العامة للغة الإنجليزية ما يفصل التعريف بالشكل الذي ترغبه هذه المنظمات، ومع ذلك تقبل العالم بشكل كبير فكرة التوجيه بمعناها التخصصي الدقيق كفرع من الإرشاد والنصح عامة وبدون أي اعتراض على القواميس العريقة. فإذا أثبتنا ذلك كمسلمة لغوية في اللغة الإنجليزية والتي تنطبق على التخصّص من صميم ثقافة التطوير التنظيمي الاستشاري في عالم الإدارة وملحقاته الفرعية من العلوم، بقي أن نجد ما يقابلها من المفردات العربية والتي تتغير معانيها بتغير السياقات والتصاريف كما هو معروف لدى علمائها والمتخصصين فيها.

التوجيه في اللغة العربية Coaching in the Arabic Language

نظرا لأهمية اللفظة في مهنة وتخصص يزداد تابعوه في العالم، يتسائل المتخصصون ماهي أفضل طرق التعبير عن اللفظة بما يتناسب مع اللغة العربية وثقافتنا وفي نفس الوقت بما يعبر عن التخصص بشكل متوافق مع اللغة الإنجليزية.

بداية نثبت عددا من المسلمات. أولا، أن الملحوظ في اللغة الإنجليزية وجود نفس اللبس الذي يحدث معنا نحن العرب عند استخدام أي لفظة مقابلة بغض النظر عن صدق هذه اللفظة في التعبير عن المعنى والتعريف المتخصص أم لا، وذلك له سبب أن اللفظة بذاتها في اللغة الإنجليزية مشتقة ومركبة مع الفاظ أخرى لا يمكن أن تتضح فيها المعاني بانفرادها في التعبير وبدون تلك الالفاظ للمتحدث باللغة الإنجليزية ناهيك عن باقي اللغات. ففي عالم الإدارة نفسه عندما تطلق كلمة Coaching يتبادر للذهن المدرب القيادي الذي أمضى في المنظمة ما يقرب من عشرين عاما أو أكثر وهو يقدم النصح والإرشاد للقيادات العليا. ويتبادر لذهن البعض الآخر المدرب الخاص بتدريب المبيعات في المنظمة والبعض القليل يسألك أي فريق رياضي تقصدbaseball أوfootball  أو hokey وهذا في الولايات المتحدة  الامريكية حيث يصر الإتحاد الدولي للتوجيه على أنها معروفة وواضحة!

 وإذا خرجت للشارع الأمريكي حتما فستضيع ويصعب على العامة استيعاب ما تقصد بدون خلطه بالحافلة الضخمة، أو بالمدرب الرياضي، ويبدو على وجه السامع الجدية وأنت تقول له أنا Coach فأولا يسألك ويقول (تقصد سائق Coach) ثم يتدارك عندما يرى وجهك معترضا بسرعة ويقول (أي فريق you coach؟) مفترضا أنك مدرب رياضي ثم يفهمك عندما تقول له Business coach ويسألك، ماذا تفعل في عالمك؟ وليس لديه أيّة فكرة عن Business coaching. ولو استخدمت أي محاولة أخرى فستبوء بالفشل، هذا في المدن الرئيسية، ولكن في الأرياف والقرى فأنت سائق أو مدرب رياضي فقط أو ربما تجر عربة خيول ورائك!

ثم يأتي الإتحاد الدولي للتوجيه ويدعي أن لغتنا فقيرة وقاصرة عن التعبير فقط لأنه استشار مجموعة من الموجهين الذين لا ضلاعة لهم باللغة العربية أو لديهم ضحالة في فهم الاشتقاقات للمصطلحات أو لأنهم ظنوا ان الغرب يعرف ما يقول!

وأتعجب أكثر من الإصرار على استيراد المصطلح من ناس يقرأون القرآن ولا يفهمون ما يقرأون وليس لديهم وقت للبحث أو الاستفسار “فأسالوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون”[5] و “إذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم”[6] فعجزنا أن نرجع إلى من يعلم الأمر وأخذنا نستنبط من علمنا الضحل ونسينا أن هناك من يمكن أن يعرف أكثر منا.

وعودة لقصور اللغة الإنجليزية في إيجاد او التعريف بمعاني عميقة تخصصية لدرجة أن أصحاب المهنة اضطروا لاستخدام أقرب مصطلح متاح، فإذا سلمنا بذلك، لماذا نحن العرب غاضبون على لغتنا وهاجرون لها ومدّعون أنها قاصرة، وهي تلك اللغة التي اختارها الله في كتابه الكريم على كل اللغات لينزل بها القرآن وكان من الممكن أن يختار الإنجليزية أو غيرها وهو على كل شيء قدير، ولكنه اختار “بلسان عربي مبين”[7]، ثم نأتي نحن ونتعالى على قوله ونقرر أننا لا نجد ما يعبر عن المعنى.

ثانيا، نقرر مسلمة أخرى ليكون الاستدلال صحيحا. هل يجب أن يعبر المصطلح عن المعنى كاملا بعمقه التخصصي أم يكفي ان يشير إليه ضمنيا ويجري استخدامه أو يعتاد الناس عليه؟

الناظر لاستخدام الانجليز لكلمة Coaching يرى أنها قاصرة عن مدلولات العلم التخصصي بتفاصيلها كما في التعريفات العديدة التي وردت في معظم المنظمات العالمية التي تمنح الاعتمادات وتدرب على جداراته. فلماذا ينبغي أن يعبر المصطلح العربي عن كل تلك المدلولات ويعفى الإنجليزي منها؟ إذا لدينا مقايسة خاطئة في الحكم على اللفظة بأننا في الأصل وضعنا معيار ساقط وغير مجدي لأنه يستحيل أن تجد في أي لغة لفظة تعبر تماما عن كل المعنى، ولكن تستثنى العربية فهي لغة المدلولات والتشبيهات والأدب الراقي المعجز فكل لفظة تختلف مدلولاتها بحسب السياق الذي وضعت فيه ولذا تجد المستمع للشعر العربي يقف مكتوف اليدين أمام فهم عمق المعاني والقرآن أحدث ذلك للعرب الشعراء والأدباء بمصطلحاته العميقة المعاني والصالحة لكل زمان ومكان فكيف يعجز عن التعبير عن مدلول بسيط مثل مدلول Coaching؟ ومن هنا نرى أن الادعاء بغياب المصطلح إدّعاء ساقط.

منذ سنوات اقترحنا كلمة توجيه كمقابل لمصطلح Coaching  ومثله مثل أي مصطلح في أي لغة يحمل عددا من المعاني الفرعية.  وتعود جذوره لثلاثة أحرف (واو، جيم، هاء)، واستخدم في القرآن في عشرات النصوص المقدسة للتعبير عن معاني عديدة تتراوح بين الوجه، والجهة. والوجه هو ما يُقابَلُ به العالم مثل وجه الإنسان ومنه واجهة المبنى، وبين التوجيه للشيء بوضع وجه له أو بإعادة معايرته ليكون مواجها لجهة ما. أو لمساعدته ليرى الوجهة التي تصلح له بالبحث عن الوجهة التي يرغب أن يتوجه لها.  وأفضل ما مرّ بي في كتب المعاجم وعلى رأسها لسان العرب هو “اتخاذ الوجهة أو الإعانة على اتخاذ الوجهة”، أو “تركيز الجهود ونحوها على شيء معين”، وفي الاختصاص التوجيهي اضافات على ذلك في جملتها “تركيز جهود المستفيد من العملية التوجيهية على هدف يرضاه فيضع جهده وفكره ومشاعره فيه، بحيث يقوم الموجّه بإتاحة الفرصة له للتعبير والتفكير والإبداع ومشاركته في ذلك بما يسمح به الموُجّه المستفيد وفيما ينصب في الاتفاق المسبق بينهما”. والتعريف قد يتغير ويتبدل بحسب التخصص التوجيهي، ولكن في جملته ما ذكرنا.

 أقول ذلك لأننا لا ينبغي أن نحمّل اللفظة فوق ما تتحمل ونتركها مفتوحة لحين يرغب المستخدم في تعريفها في سياق ما. والتعريف مهم لأنه يضع حدود وضوابط الاستخدام ولا غنى عنه في أي مجال. ولذا تجد في مقدمة كل بحث علمي التعريف الذي يقصده الباحث من استخدام مصطلحات معينة في بحثه، بل تجد تعريف القيادة يختلف من باحث لآخر وهكذا. ولذا يسقط الادعاء بأن المصطلح ينبغي أن يعرف العلم. يكفي من المصطلح أن يشير إلى المعنى العام ويترك الخاص لأصحاب الاختصاص. فإذا اتفقت معي على هذا ننتقل لتعضيد كلمة توجيه بالدليل الشرعي للمعنى.

على رأس النصوص القرآنية المعبرة جدا في مجال وعلم التوجيه المتخصص النص التالي: “ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها فاستبقوا الخيرات”[8]. قال الطبري في تفسيره: وأمّا “الوجهة” فإنّها مصدر مثل “القعدة” و”المشية”، من التّوجُّه”. وأما قوله: “هو مولّيها”، يعني هو مولٍ وِجْهَهُ إليها ومستقبلها ( انتهى كلامه). وما أجمل التعبير عن التوجه بالوجه حيث تلتفت إلى حيث تريد أن تسير أو تحصل على شيء أو تتناوله. ويكون التوجيه مساعدة المُوجِّه للمُوَجّه للوصول لوجهةٍ ما ولا يلزم منه إلزام له أو قسر. ويحتاج التوجه لنية وقصد ولا يمكن إرغام أحد عليه بدون رغبة كاملة منه. فأنت تدير وجهك نحو الشيء بكامل إرادتك ومهما حاولتُ شخصيا أن أوجهك بأمر مباشر فلن تضع وجهك إلا برغبة منك. ومن هنا أصبح الوجه أساسيا في التّوجّه وبالتالي التوجيه.

ثم أكمل الطبري تفسير الآية فقال: ومعنى التّولية هاهنا الإقبال ويقول القائل لغيره: انصرف إلىّ” بمعنى “أقبل إلىّ”. و”الانصراف” المستعمل، إنما هو الانصراف عن الشيء، ثم يقال: “انصرف إلى الشيء”، بمعنى: أقبل إليه منصرفا عن غيره. وكذلك يقال: “وليت عنه”، إذا أدبرت عنه، ثم يقال: “وليت إليه”، بمعنى أقبلت إليه مولّيا عن غيره ( انتهى كلام الطبري).

ومن هنا يتطلب التولي للوجهة حركة وإقداما.

ثم قال الطبري: القول في تأويل قوله تعالى: فاستبقوا الخيرات؟ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: “فاستبقوا”، فبادروا وسارعوا، من “الاستباق”، وهو المبادرة والإسراع ( انتهى كلام أبو جعفر الطبري).

فما أجمل أن يعين المُوَجّه، المُوَجّه على المسارعة والمبادرة في التّولي للوجهة. فالتولي حركة والتوجه نية وإرادة. وكأن التّوجه عمل قلبي داخلي ومن هنا يتضح جمال التوجيه بمعناه العالي عن الأمر والإلزام أو القسر والذي يستخدم قوّة السلطة وقوّة الجبر الجسمي والنفسي. بينما يعلو التوجيه عن تلك القوة ويعطي الموجه خيار التّولي والاستباق للخيرات. واستخدم الخيرات لأن التولي للشرور ليس من مقاصد التوجيه، بل مناف لأخلاقيات المهنة وينبغي على الموجه عدم تشجيع الموجهة على ذلك، بل التبليغ عنه إذا ترتب عليه ضرر يمتد للنفس، أو الآخرين، أو مخالفة للقانون، أو المتعارف عليه في المجموعة من آداب لينتهي عن توجهّه نحو الشرور. التوجيه سلاح ذو حدين بدون أخلاقيات المهنة. ولا يكفي أن يقف الموجه مكتوف اليدين بينما يستخدم الموجه تلك الأداة ليفسد في الأرض ويرتكب الجرائم فهذا تمكين للباطل وتواطؤ مع المجرم في إجرامه أو المفسد في فساده. بل ينبغي أن تصحب هذه المهنة أخلاقيات راقية تتناسب مع السياق والثقافة كما تنص عليه اللائحة الأخلاقية للاتحاد الدولي للتوجيه. وكلن تنساق اللائحة إلى مواضيع عائمة وغير محددة ومن هنا كان ينبغي أن نقف لنوضح أن أهم المعايير الأخلاقية للتوجيه في العالم العربي هي معاييرنا الإسلامية لما هو حلال وما هو حرام وأن يتجنب الموجه الخوض في الامور المشتبهات والتي من شأنها أن تنحى به عن الصواب هو ومن يقوم بتوجيهه. فلكل موضوع من مواضيع التوجيه اختصاص والموجه غير المتعمق في تخصص ما عليه إلّا أن يعمل بقوله تعالي: “فأسالوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون”[1] و “إذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم”[2]. وهذا مقرّر أيضا في لوائح المنظمات العالمية للتّخصص، ولكن نزيده تفصيلا بأن هناك قضايا قد يعتبرها المجتمع العالمي مباحة مثل المثلية والتحدي للوالدين أو للسلطة أو ولي الامر كما في الديموقراطية والتجربة الامريكية ولكنّ ديننا يحظر علينا ذلك. ولنا وقفة مهمة أخرى مع اللائحة الأخلاقية في مقال آخر.


[1] coach_1 noun – Definition, pictures, pronunciation and usage notes | Oxford Advanced Learner’s Dictionary at OxfordLearnersDictionaries.com

[2] Coach Definition & Meaning – Merriam-Webster

[3] to instruct, direct, or prompt as a coach- Webester link above.

[4] a person who is employed by somebody to give them advice about how to achieve the things they want in their life and work – Oxford link above.

[5] النحل أية 43

[6] النساء آية 83

[7] الشعراء آية 195

[8] سورة البقرة آية 148

[9] النحل أية 43

[10] النساء آية 83

Shopping cart

0
image/svg+xml

No products in the cart.

Continue Shopping